لقد اختلفت السنة والشيعة في صفات الله سبحانه وتعالى ، فقال أهل السنّة بأن رؤية الله يوم القيامة أمر محتوم وسيخرج إلى المؤمنين فيعرفونه من الساق ، وقالوا أيضاً إن الله ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة إلى السماء الدنيا ليغفر لمن يريد التوبة ، وكذلك قالوا إن الله تعالى يضع قدمه في نار جهنم يوم القيامة حتى تقول قط قط ، لأن الله وعد نار جهنم أن تمتلئ لكنها لن تمتلئ فيضع الله تعالى قدمه فيها لكي يفي بوعده وتمتلئ . أما الشيعة فقد استنكروا تلك المعتقدات ، وقالوا بعدم إمكانية رؤية الله حتى في الآخرة ، ورفضوا القول بنزول الله إلى السماء الدنيا كما رفضوا القول بأن الله يضع قدمه في نار جهنم لتمتلئ . وترى الشيعة أن معتقدات أهل السنّة تعتبر إساءة بالغة لذات الله وهي جاءت عن طريق الإسرائيليات وثقافات الإغريق واليهود والهنود عندما اختلطت بالثقافة الإسلامية في العهد الأموي عندما شجع الخلفاء الأمويون علماء تلك الثقافات بزيارة الدولة الأموية لتبادل الثقافات وإقامة المناظرات العلمية والدينية ، ثم بعد ذلك اختلط الأمر على الناس لإعجابهم ببعض روايات تلك الأديان ، ومع مرور الزمن اعتقد البعض أن تلك الروايات هي أحاديث لرسول الله (ص) ، وبعد قرن من الزمان تقريباً ولما جاء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز وجمع الأحاديث عام 99 للهجرة ، دخلت تلك الروايات ضمنها على أساس أنها روايات نبوية . هناك أمور أخرى اختلفت فيها السنة والشيعة مثل كلام الله ، فقالت المذاهب الأربعة السنية أن الله تعالى يتكلم بصوت مع أهل الجنة في الآخرة ، وذهب بعض علماء المذاهب الأربعة السنية إلى القول بأن الله تعالى كلم موسى (ع) في الدنيا بصوت عندما قال تعالى له " وما تلك بيمينك يا موسى " . أما الشيعة فقد أنكروا ذلك وقالوا إن الله أوحى إلى موسى بشكل مباشر دون واسطة ملك فبدا لموسى وكأنما حوار بينه وبين الله تعالى .
إن علماء السنّة والشيعة استدلوا بآرائهم في صفات الله من خلال آيات القرآن الكريم ، ويتضح جليا أن علماء السنة أخذوا بالمعنى المباشر للكلمات كما هي الآية " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " . إن الكثير من الكلمات في القرآن الكريم لا يمكن الأخذ بمعناها في جميع الأحوال بمعناها الفعلي ، بل يكون القصد فيها غير مباشر . فمثلا كلمة ناظرة وردت في القرآن بمعنى منتظره أيضا إضافة إلى معناها الفعلي .
إن اعتقاد أهل السنّة برؤية الله يوم القيامة استناداً إلى الآية " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " لو أخذت بالمعنى المتداول بين الناس للكلمة ( ناظرة ) فإن ذلك يفيد بصحة القول برؤية الله تعالى ، لكن أسلوب القرآن والأعجاز اللغوي فيه ينبغي وضعه في الاعتبار لفهم المعنى المقصود من الآية لكي لا تتعارض الآية مع غيرها من الآيات. إن الله تعالى قال أيضاً " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " وهذه الآية تناقض تلك الآية السابقة لو أخذنا الكلمة ( ناظرة ) بمعناها المباشر . وحيث أن الآية الثانية واضحة المعنى والقصد فهي الأصل استناداً إلى ما ورد في ذات الله وعظمته بأنه ليس كمثله شيء ، ولما تجلى الله للجبل انهار ذلك الجبل وصعق موسى (ع) ، فكل تلك الدلائل تثبت عدم إمكانية رؤية الله ، لذلك فالآية " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " هي الأصل ، والقصد في " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " يكون في غير المعنى المتداول بين الناس للكلمة ( ناظرة ) ، فقد ورد في القرآن الكريم كلمة ( ناظرة ) بمعنى منتظره أيضا كما في الآية " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " (35 النمل) أي منتظرة بم يرجع المرسلون ، و كذلك وردت ( ينظرون ) بمعنى ينتظرون كما في الآية " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ……… قل انتظروا إنا منتظرون " (158 الأنعام) ، فكلمة ( ينظرون ) جاءت بمعنى ينتظرون ويؤكد ذلك آخر الآية " قل انتظروا إنا منتظرون " . وهناك آيات كثيرة تؤكد ذلك كقوله تعالى " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " ( 53 الأعراف ) أي ينتظرون تأويله . " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " ( 68 الزمر ) أي قيام ينتظرون . " هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون " ( 66 الزخرف ) أي هل ينتظرون حتى تأتيهم الساعة فجأةً . " قال انظرني إلى يوم يبعثون " ( 14 الأعراف ) إي قال إبليس انتظرني لا توفني إلى يوم القيامة . " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه " ( 53 الأحزاب ) أي غير منتظرين . إن كلمة ( ناظرة ) في الآية القصد منها الانتظار وليس النظر ، فالقصد في معنى الآية " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " أن الوجوه الناضرة يومئذ تكون منتظرة أمر الله تعالى وثوابه وليس تنظر إلى الله ، فالله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدركها .
وإضافة لما سبق فإن كلمة ( ربها ) التي جاءت في الآية " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " ، ورد بشأنها معاني كثيرة أيضا في آيات أخرى ، فقد ورد في القرآن الكريم لفظ ( ربه ) و ( ربك ) بمعنى سيد أو قائد كما في الآية الشريفة " يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا " (41 يوسف ). وكذلك " وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه " ( 42 يوسف ) . فقد جاء لفظ الرب هنا بمعنى القائد ، وكما يقال عن الأب أيضا أنه رب الأسرة أي قائد الأسرة ، لذلك فقد يكون القصد من كلمة ( ربها ) هو قائدها أو سيدها ، وفي هذه الحالة يمكن أخذ المعنى بأنه وجوه ناضرة إلى قائدها ناظرة ، والقائد هو رسول الله (ص) فيكون القصد النظر إلى رسول الله (ص) . أو يكون القصد وجوه ناضرة وإلى أمر الله وثوابه منتظرة ، وليس النظر إلى الله تعالى ، فقد قال تعالى " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " . فالقول برؤية الله يوم القيامة كما يزعم علماء السنّة ليس دقيقا بل يتعارض مع الكثير من الآيات ، وأما المبررات التي ذكرها بعض المتأخرين من فقهاء السنّة في أن الوضعية في الآخرة تختلف عن الدنيا حيث ترفع الحجب عن الإنسان ويرى ما وراء طبيعة تكوينه ، وتصبح لديه قدرات خارقة للبصر تؤهله لرؤية الله ، فإن تلك المبررات ليست سوى الظن ولا ترتقي لمستوى العقل ، فهذا جبرائيل ملك وآية كبرى من آيات الله وهو يعيش في نطاق ذلك العالم الآخر بما يحتوي من قدرات خارقة وأمور غيبية ، ذلك العالم الآخر الذي سيبعث إليه الإنسان ، فمع وجود تلك القوة الخارقة الإلهية التي منحها الله تعالى لجبرائيل ، فإن جبرائيل عليه السلام لم يرى الله عز وجل ، بل له حد معين يلتزم به وإلا احترق كما ورد في قصة معراج النبي (ص) إلى السماء . وهناك رواية عن النبي (ص) أنه قال لجبرائيل عليه السلام كيف تأتي بالآيات إليّ هل ترى الله فتأخذها منه ؟ فقال جبرائيل : إن الله يوحي إليّ ولا أتمكن من رؤيته عز وجل فلا قدرة لي بذلك . أن جبرائيل الملك القوي بما أعطاه الله من قدرة غيبية وطبيعة تكوينية لا يتمكن من رؤية الله ، والإنسان حينما يُبعث ويكون من أهل الجنة يفترض أن تكون له قدرة تكوينية مشابهة لجبرائيل كي يتمكن أن يعيش في ذلك العالم ، لذلك لن يستطيع رؤية الله عز وجل كما هو حال جبرائيل عليه السلام . إن المؤمن بلا شك سيزداد يقيناً بالله وعظمته في ذلك العالم ، وسيدرك جوانب أخرى لعظمة الله لم تكن في اعتباره ، لكن رؤية الله عز وجل أمر في غاية الاستحالة .
أما زعم علماء السنّة إن يوم القيامة يأتي الله فيقول أنا الله فلا يصدقه المؤمنون ثم يأتي مرة أخرى ويكشف عن الساق فيعرفوه ويقولون أنت الله ، فإن هذه الرواية لا يتقبلها العقل والمنطق ، إذ كيف يمكن معرفة الله من الساق ؟! فهل رأى مؤمن في الدنيا الساق ليتعرف من خلاله على الله سبحانه وتعالى ؟!! سبحانه عما يصفون . نعم قد نعرف الرسول (ص) من خلال الصحابة الذين عاصروه ، فإن قالوا هذا هو الرسول (ص) نقول نعم لأنهم رأوه لكن أي ساق كشف عنها في الدنيا وعرفها المؤمنون لتكون علامة لهم لمعرفة الله ؟!!
إن من ذهب إلى القول برؤية الله فقد ذهب إلى تحديده ، لأن أي شيء يُرى لابد أن يكون له حد يبدأ به ولا بد أن ينتهي بحد ، وكافة المذاهب الإسلامية تعتبر تحديد أو تجسيم الله عز وجل كفراً بغض النظر عمن يحده أو يجسم الله بأسلوب غير مباشر . إن أهل السنّة بهذا المعتقد يناقضون أنفسهم ، كما أن اعتقادهم بأن الله عز وجل ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ليغفر لمن يطلب التوبة ، فإن هذا الاعتقاد ينطبق عليه ما انطبق على ما قبله . فبمجرد القول أنه ينزل يُفهم أنه لم يكن موجوداً في ذلك المكان قبل أن ينزل ، وبالتالي فهو يدخل في إطار حدود وجوده ، وبالتالي قد تم تحديده ، ومن يحدد الله فقد كفر . واعتقادهم بأن الله عز وجل يضع رجلاً في نار جهنم لتمتلئ لأنه وعد نار جهنم بأن تمتلئ ، فإن هذه الرواية لا تستسيغها منطق ولا يقبلها عقل . إن الله لا يمشي ولا يركض ، فلماذا الرجل ؟ أم أن الرجل جعلها الله لهذه الوظيفة فقط ؟!! ليس لله حاجة إلى وضع الرجل في جهنم لتمتلئ إنما أمره إذا أراد شيئا قال كن فيكون . ما الحكمة يا ترى في ذكر الرجل في هذه الرواية وذكر الساق في الرواية الأولى وذكر ينزل في الرواية الثانية ؟! فهل المطلوب أن نتعامل مع الله عز وجل وكأنه خلقٌ مثلنا ؟!! تعالى الله عما يصفون . إن هذه المعتقدات من المؤكد إنها معتقدات اليهود والنصارى المحرفة والتي انتشرت بين المسلمين أبان الغزو الفكري في عهد الدولة الأموية والتي أشرنا إليها سابقا ، فاليهود تعتقد إن الرب هو عزيز أبن الله والنصارى تعتقد أن الرب هو المسيح ، فهم اعتقدوا ذلك على اعتبار إن أربابهم أشخاص لهم أرجل وأفواه ويأكلون ويشربون فيتكلمون ويضحكون وينزلون ويصعدون ، فهم يعتقدون أن ربهم بشر وبالتالي نسبوا إليه أفعال البشر ، ولذلك لابد أن يكون اعتقاد أهل السنة بهذه الأفكار إنما نتج بسبب غزو ثقافات اليهودية والنصرانية في ظل الدولة الأموية عندما قام معاوية بفتح الشام أمام المعتقدات الأخرى.
يتضح مما سبق وجود تناقض بين ما يعتقده السنّة في ذات الله سبحانه وتعالى وبين ما يدعو إليه القرآن الكريم من أن الله عز وجل أحدٌ صمد ليس كمثله شيء ، نور يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار ، وهو معنا أينما كنا وهو اللطيف الخبير ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر من ذلك إلا هو معهم أينما كانوا والله واسع عليم ، فلا حاجة له ليد أو رجل أو ساق يؤدي بها غرضا إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون . لذلك فإن رفض الشيعة لمعتقدات السنة بالنسبة لصفات الله في محله .
1st أكتوبر 2018, 4:52 pm من طرف Reda
» بيان الإعجاز العلمى فى تحديد التبيان الفعلى لموعد ( ليلة القدر ) على مدار كافة الأعوام والآيام
1st يوليو 2016, 2:11 pm من طرف usama
» كتاب اسرار الفراعنة
20th يوليو 2015, 7:11 am من طرف ayman farag
» أسرار الفراعنة القدماء يبحث حقيقة استخراج كنوز الأرض ــ الكتاب الذى أجمعت عليه وكالات الآنباء العالمية بأنه المرجع الآول لعلماء الآثار والمصريات والتاريخ والحفريات ــ الذى تخطى تحميله 2300 ضغطة تحميل
12th يوليو 2015, 4:15 pm من طرف farag latef
» ألف مبروك الآصدار الجديد ( الشيطان يعظ ) ونأمل المزيد والمزيد
26th أبريل 2015, 5:20 pm من طرف samer abd hussain
» ألف مبروك اصداركم الجديد ( السفاحون فى الآرض ) الذى يضعكم على منصة التتويج مع الدعاء بالتوفيق دوما
26th أبريل 2015, 5:17 pm من طرف samer abd hussain
» الباحث الكبير رجاء هام
12th أبريل 2015, 11:14 am من طرف الخزامي
» بيان الإعجاز العلمى فى تبيان فتح مغاليق ( التوراة السامرية ـ التوراة العبرانية )
10th أبريل 2015, 6:11 am من طرف الخزامي
» الرجاء .. ممكن كتاب أسرار الفراعنة المصريين القدماء للباحث العلمي الدكتور سيد جمعة
24th فبراير 2015, 4:37 am من طرف snowhitco