سين وجيم فى السنة النبوية بين الآفتراض السلفى والآجتهاد الخلفى ومنظور الواقع المعاصر
1س - على الرغم من ظهور معالم أولية للنقد الروائي في أوساط المحدثين الأوائل، إلا أن هناك دعوات متكررة لإعادة توظيف المكتسبات النقدية الحديثة لمقاربة السّيرة النبوية خاصة. كيف تنظرون إلى طبيعة هذه الدعوات، من حيث الخلفيات والإمكانات
العلمية المتاحة ؟
ج - السيرة النبوية ليست رواية ملحمية أو أسطورية يتم روايتها عبر الأجيال، وكلّ جيل يريد أن يعرضها بقالب أدبي يرفع من شأن صياغتها التصويرية, فهي ليست قصة مثل ألف ليلة وليلة أو كليلة ودمنة, إنها قصة ولادة مجتمع وبنائه وترسيخ أساس النهضة والحضارة به! فسيرة النبي العظيم ليست سيرة فرد واحد قَدَّمَ أموراً لمجتمعه على صعيد الاكتشافات أو الاختراعات أو بعض النظريات أو بعض الانتصارات العسكرية. ومعظم منْ تناول سيرة النبي العظيم كان يكتب ما يُسمى السّيرة الذاتية للنبي، من ولادةٍ وطفولةٍ إلى مرحلة الرجولة, وزواجه وبدء الوحي وتأريخ بعض الأحداث, وذكر الغزوات التي قام بها... إلى الوفاة. وقسم آخر توجّه إلى ما يُسمى "فقه السيرة"، فتناولَ السّيرة الذاتية وأخذ يستنبط منها حسب المستوى المعرفي له بعض العِبر والعظات! فسيرة النبي العظيم هي سيرة ميلادِ مجتمع جديد نهضوي لا ينفكّان عن بعضهما ولا يمكن أن يُدرَس أحدهما دون الآخر.
سيرة "ميلاد مجتمع"
2س - ولكن كيف توضّح الدمج بين سيرة النبي وميلاد المجتمع الجديد؟
ج- لقد تمّ ذلك الدمج في واقع الحال, وكانت سيرته (ص) منطلقة من أسس ومرتكزات القرآن العظيم مع استصحابه في كلّ خطوة في صراعه الثقافي مع الثقافة الجاهلية, فكان القرآن حاضراً بصورةٍ دائمة قائداً ومعلماً وموجّهاً يقود المعركة الثقافية على أوجها دون تنازلات أو محاباة: (قل يا أيها الكافرون لكم دينكم ولي دين)، فدراسة سيرة النبي العظيم هي دراسة سيرة ميلاد مجتمع جديد, وهذا يقتضي استحضار النصّ القرآني كونه القائد والموجّه والمعلم في عملية التغيير والصّراع الثقافي، وهذا يدفعنا إلى استخدام أهم العلوم الإنسانية التي وصَلَ إليها الإنسانُ لدراسة النص القرآني وإسقاطه على الواقع للوصول إلى مجتمع نهضوي, ومن هذه العلوم: علم الاجتماع وعلم السياسة وعلم النفس وعلم القانون وعلم اللسانيات والفلسفة وغير ذلك، وذلك من أجل التفاعل مع النصّ القرآني الذي احتوى السّيرة الحقيقية للنبي العظيم. فلا حاجة لأن يقوم أحدٌ بكتابة سيرة لهذا النبي (ص) بعد أن كتبها الله عز وجل، وإنما نحن بحاجةٍ إلى منْ يستخلص هذه السيرة النبوية من القرآن تحت اسم: سيرة ميلاد مجتمع نهضوي إنساني.
مصطلح السنة النبوية مستحدث
3س- نشرَ الباحثُ الشيخ حيدر حبّ الله مؤخرا دراسة أكاديمية حول "نظرية السّنة في الفكر الإمامي الشيعي"، استقصى من خلالها تطوّرات الموقف الإمامي النخبوي من السّنة، والظروف الموضوعية التي أثرت في تصنيف المواقف المختلفة. وفي حيّز أخير من الدراسة؛ تطرّق حبّ الله بشكل سريع إلى أبعاد الدّراسات الخاصة بالسنة النبوية في وسط أهل السنة والجماعة، وقد أشار إليكم باعتباركم منتجين مؤثرين في هذا المجال. ما هي الأطر المعرفية التي تعتقد بضرورتها في صدد تكوين نظرية سليمة للسنة النبوية أو السنة المعصومة؟ وهل يمكن التوفيق بين ثابت الرجوع المعياري للسنة وبين متطلبات الاجتهاد المتنوّر الذي يأخذ بالاعتبار متغيرات الواقع والأسئلة المستجدة؟
ج- إنّ مصطلح السنة النبوية لا وجود له في القرآن بهذه الصورة الارتباطية مع النبي، وإنما وُجِدَ مضافاً إلى الله عز وجل قال تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)، فلم يأت أيّ نص يذكر الأمر بإتباع سنة النبي أبداً، مما يدلّ على أن هذا المفهوم مستحدث وليس مفهوماً قرآنياً! فعلى ماذا يدل مفهوم السنة النبوية عند منْ وضعه؟ قال الفقهاء: السنة هي المندوب مقابل الواجب. وقال الأصوليون: السنة هي ما يصلح لأن يكون دليلاً شرعياً لاستنباط الحكم منه. وقال أهل الحديث: السنة هي كلّ ما وردَ عن النبي من أقوال وأعمال وإقرار, وأخباره المتعلقة بحياته وشخصه وغزواته. وقال الشيعة الإمامية : السنة هي ما ورد عن النبي والإمام المعصوم من أقوال وأعمال وإقرار. وعندما وضع الأصوليون المصادرَ التشريعية ذكروا السنة من بين المصادر وجعلوها في المرتبة الثانية، فقالوا: مصادر التشريع الأصلية أربعة: القرآن، السنة، الإجماع، القياس. وعند التعامل مع مفهوم السنة نجد أن الحديث النبوي أو قول الإمام المعصوم يحلّ محلّ السّنة وكأن السنة هي الحديث, والحديث هو السنة! مع العلم أنه لا يوجد في القرآن أبداً أمرٌ بإتباع حديث النبي, والموجود هو حديث الله عز وجلّ، قال تعالى: (ومن أصدق من الله حديثا).
4 س- ولكن ماذا تقولون في النصوص التي تدلّ في مضمونها على الأمر بإتباع سنة النبي أو حديثه نحو قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني)؟
ج- كلا! هذا النصّ لا يدلّ على سنة النبي ولا حديثه, وإنما يدلّ على الأمر بإتباع الرسول , وهذا الأمر بالإتباع موجه إلى الرسالة وليس إلى شخص الرسول!! انظرْ قوله تعالى (قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم)، وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين). لذا ينبغي فهم دلالات النصوص القرآنية بصورةِ منظومةٍ واحدةٍ منسجمةٍ مع بعضها، وقد تعرّضتُ لشرح النصوص التي يستدلّ بها منْ يقول بوحي السنة النبوية أو الحديث وبيّنتُ خطأ ذلك الاستدلال في كتابَي (تحرير العقل من النقل) و( القرآن بين اللغة والواقع). لذا ينبغي التفريق بين مفهوم السنة ومفهوم الحديث وعدم الدمج بينهما.
فالسنة: هي الطريقة العملية الثابتة المستمرة على ما هي عليه. مثل سنة الله عز وجل في الخلق.
أما الحديث فهو: قول جديد. مثل النصّ القرآني؛ حديث الله. فمنْ يعتقد ويؤمن بأن السنة النبوية وحي من الله عز وجل نجد أنه أثناء التطبيق ينتقل إلى مفهوم الحديث النبوي! ويتصدّر كافة أبحاثه بصورةٍ سطحية وهزلية, فالسنة غير الحديث, ولكلٍّ مفهومه الخاص به.
أين السنة النبوية؟
5س- السؤال الذي يفرض ذاته هو أين السنة النبوية؟ وبمعنى آخر أين طريقة النبي في تعامله مع القرآن وإسقاطه على الواقع؟
ج- قطعاً ليست السنة هي الأحاديث النبوية. نجد سنة النبي موجودة في فحوى النصّ القرآني, فقد أخذ النبي سنته من خلال تفاعله مع القرآن ذاته وإسقاطه على الواقع, فسنة النبي انبثقت من القرآن لتعود إليه دراسةً وفقهاً وتطبيقاً, فهي منهج عقلاني علمي صاغت المنطق عند النبي حتى صار خلقه القرآن تفكيراً وتطبيقاً. فسنة النبي منبثقة من الحكمة الموجودة في النصّ القرآني, ونحن قطعاً ملزمون بإتباع الحكمة في تعاملنا مع القرآن وهذه الحكمة لا يمكن أن نحصل عليها من خلال سيرة النبي الذاتية لانتفاء حفظها في الواقع, غير أن النبي لم يذكر تلك القواعد والمنطلقات القرآنية أثناء علاجه للأحداث , ناهيك عن عدم استنفاذه للحكمة والمقاصد القرآنية. فلا مناصَ من العودة إلى الحكمة الموجودة في النصّ القرآني ذاته وتفعيلها حسب الأدوات المعرفية المعاصرة .
مقامات النبي الثلاثة
6 س- هذا الأمر يفتح موضوع الأوضاع أو المقامات المختلفة للنبي. فكيف تنظر إلى هذا الموضوع؟
ج - النبي العظيم له ثلاثة مقامات ينبغي التمييز بينها: 1- مقام بشري: ويصْدُق عليه ما يصْدُق على البشر من مرض وموت وتناول الطعام والشراب والنكاح والنسيان والخطأ، (قل إنما أنا بشر مثلكم). 2- مقام النبوة: وهو مقام اصطفاء وعلم، ودوره قيادة الناس ودعوتهم إلى الله عزّ وجل. وهذا المقام لا يلغي المقامَ البشري وإنما يُضاف له، لذلك فالعصمة في هذا المقام النبوي عصمة إرادية اكتسابية تصدر من الإيمان بالله عز وجل والعلم به، وهي عصمة متاحة لكلّ الناس بصورةٍ نسبية تتناسب مع المستوى الإيماني والعلمي, والنبي في هذا المقام يكون تابعاً لرسول سابق يدعو إلى رسالته ويجتهد في تفاعله معها إلا إذا نزل عليه رسالة جديدة , ويجوز تعرّضه للقتل كما حصل مع أنبياء بني إسرائيل. 3- مقام الرسول: وهو مقام تكليفٍ بمهمةِ تلاوة الرسالة وإبلاغها كما هي تماماً لايحق له الاجتهاد فيها من حيث المبنى والتلاوة (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) و الرسول يعصمه الله عز وجل عن القتل لإتمام مهمته بالرسالة، ويعصمه عن الخطأ والنسيان لمادة الرسالة. فالعصمة من الله عزّ وجل موجهة إلى مادة الرسالة وليس إلى شخص الرسول. ويتم حفظه من كلّ مرض نفسي أو جسمي ينقض أو يعيق توصيل الرسالة، مثل السّحر أو الهذيان والهلوسة أو البرص والجذام, وأيضاً هذا الحفظ موجّه لمصلحة الرسالة وليس إلى شخص الرسول! (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). فلا يوجد كائن معصوم بذاته أبداً, لا نبي ولا رسول ولا إمام ولا عالم, الجميع بشر، ويعصمون أنفسهم إرادياً من خلال إيمانهم بالله العظيم
(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ).
نقاش مفهوم السنة النبوية
7س- وعلى أي نحو ينعكس كلّ ذلك على موضوع السنة النبوية بوصفها مرجعية دينية أساسية؟
ج - للإجابة على ذلك وبناءً على ما ذكرت؛ نضعُ النقاط على الحروف: سنة النبي: هي المنهج العقلاني العلمي الذي استقاه من الحكمة الموجودة في النص القرآني. أما حديث النبي: فهو تفاعل النبي المرتبط بالزمكان مع القرآن مستخدماً المنهج (الحكمة) للنهضة بمجتمعه وقومه. في المقابل؛ سنة الرسول: هي الطريقة الثابتة المرتبطة بالشعائر التعبّدية , و حصراً في عدد ركعات الصلاة التي تزيد عن ركعتين لأن أصل الصلاة موجود قبل نزول القرآن منذ أول رسول أرسله الله إلى الناس وتواتر ذلك عملياً , فالصلاة سنة الرسل والأنبياء ,وقد ثبت ذلك في النص القرآني. وقد بينتُ ذلك في كتابي (القرآن من الهجر إلى التفعيل). أما حديث الرسول: فما ينبغي أن يكون للرسول حديثٌ خاصٌ به, وإنما يقوم بتلاوة حديث الله عز وجل فقط ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين). فنبوة محمد (ص) لقومه فقط،, ورسالته للناس أجمعين (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، فمقام النبوة أمر لازم لشخص النبي ينتهي دوره بوفاته ليأتي من بعده دور العلماء الراشدين , أما الرسالة فهي مستمرة ومنفصلة عن شخص الرسول تماماً، ومطلوب من الناس أن يؤمنوا بها ويتبعوها. وبعد هذا العرض المختصر لا أجد ما يسمى بنظرية السنة النبوية أو سنة المعصوم لدراستهما وجعل لهما قواعد ونظاماً ليتم التعامل معهما، فهما مفهومان مفرغان من محتواهما, وكل فئةٍ تقوم بتعبئتهما بما يخدم مصلحتها. لذا الاجتهاد والابتكار قائمان في واقع الحال لكلّ عالم رباني وباحث في أمور الدين لا يحكمه إلا رسالة الله عز وجل وسنته وحديثه, وكلّ ذلك موجود بالنص القرآني العظيم القائم على الثابت, ومنح الإنسان بصفته الخليفة حرية التحرّك بالمتغيّرات وفق المحور الثابت بحركة حنيفية صاعدة متطورة.
علم الحديث.. واغتيال العقل
8 س- تتعدّد المنهجيات المختصة في نقد الحديث، ويمكن النظر إلى جانب معين منها انطلاقاً من المدخل التكويني للحديث، فثمة منهج ينطلق في مشروع النقد الحديثي على أساس علم الرجال واستهداف سلسلة الرواة، فيما هنالك مشروع نقدي يعتمد النص أو المتن الحديثي نفسه في عملية النقد. هل ترى في هذين المنهجين وسيلة صحيحة لمقاربة الحديث مقاربة نقدية منتجة؟
ج - عندما تمّ تغييب النص القرآني من التفاعل معه في نهضة المجتمع كان من الطبيعي جداً أن يحلّ محله مصدرٌ آخر ليتمّ استخدامه في عملية التشريع والتبرير لسياسات الأنظمة الحاكمة والفئات المعارضة لهم حينئذ. لذلك نجد لكلّ فئةٍ مرجعية من مادة الحديث غير مقبولة للجهة الأخرى، ونجد معظم الدراسات الفقهية قد اعتمدت على مادة الحديث واستبعدت النصّ القرآني من الدراسة، إلا للبركة والتعظيم! وها هي كتب الفقه على مختلف أطيافها شاهدة على ما أقول. ولأن الأمر قد جرى تسييسه؛ فقد ذهبت كلّ طائفة لإضفاء على مادة حديثها صفة القداسة, ولم تكن تلك الصفة إلا بنسب الحديث للنبي (ص)، وهذا غير ممكن لمنْ يتكلم بالحديث مباشرة فكان لا بد من عملية السند! فتمّت ولادة الإسناد باعتباره ضرورة سياسية لشرعنة الأمور، وإلزام المخالف لها وإضفاء صفة القداسة على متن الحديث, وليس ذلك إلا بعملية: "قال النبي العظيم (ص)".. فيتمّ اغتيال عقل السّامع ويتمّ إمرار الحديث, ومع توسّع تلك العملية الاغتيالية لعقل الإنسان المسلم, وتعقّد الأمور وُلِدَ مصطلح (علم الحديث)، وصار علماً له قواعده ونظامه,( رغم أن دلالة كلمة العلم لاتنطبق عليه والأولى أن يسمى فن مصطلح الحديث ) فزاد الأمر شراً وتخلفاً، وظهر تيارٌ يهتم فقط في دراسة الرواة (السند) ولا يلتفت إلى موضوع الحديث، وظهر تيارٌ آخر أضاف للاهتمام بالسند الاهتمام بمتن الحديث ولكن بصورةٍ تخدم مصالح كلّ فئة. والنتيجة هي بقاء مادة الحديث محوراً للدين الإسلامي، لها الصّدارة والأولوية في واقع الحال وقاضية ومهيمنة على القرآن والعقول!!.
9س- أيعني كلامك أنك لا تمنح الحديث النبوي مرجعية قدسية؟
ج - مادة الحديث النبوي مادة تاريخية لا قداسة لها أبداً، ومنتفٍ عنها صفة الوحي الإلهي التشريعي، وذلك لأنها نتيجة تفاعل النبي العظيم مع النصّ القرآني حسب معطيات واقعه، وحسب الأدوات المعرفية الزمكانية المتوفرة حينئذ، وهي لذلك غير ملزمة للمجتمعات اللاحقة أبداً، ومنْ يقول بغير ذلك يكون إنساناً يُغمض عيناه عن الحقيقة! فالحديث النبوي المنسوب قد أصابه التحريف زيادة ونقصاناً, فمنْ يقول بأنه وحي فهو يعتقد بأن مادة الوحي قابلة للتحريف, وبالتالي لا مانع عنده من ضياع بعض من الوحي! وربما الذي ضاع أكثر من الذي بقي! فكيف نُلزم بعضنا بوحي محرف!؟ بوحي قد ضاع جزء منه!؟ كيف يكون الحديث عند فئة وحياً، وعند الفئة الأخرى التي ترفضه لعلةٍ بسنده أو متنه حسب أصولهم؛ كذباً وزوراً وافتراءً!؟ كيف يكون الحديث مصدراً تشريعياً وهو مُختلف فيه, وليس محلّ تسليم من الجميع به!؟
علم الحديث.. خدعة
10س- ولماذا تحمل هذا الموقف الشديد في معارضة (علم الحديث)؟
ج - إنّ علم مصطلح الحديث كذبة كبيرة وخدعة قبيحة فهو ليس علماً أصلاً سواء تعلّق ذلك بالسّند أو المتن, فالنتيجة واحدة: الضياع للمسلمين, وعندما جعل المسلمون مادة الحديث النبوي وحياً ومصدراً تشريعياً أُصيبوا بالتخلف والانحطاط وابتعدوا عن المنهج الرباني المتمثل بالقرآن (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً). فالنص القرآني قد احتوى الشرع الإسلامي كاملاً كما أخبر الرب تبارك وتعالى بذلك (اليوم أكملت لكم دينكم)، وكما أمر رسوله أن يقول (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم). فالقرآن هو المصدر الوحيد للتشريع الإلهي, وما سواه من أحاديث نُسبت للنبي أو للأئمة أو للفقهاء أو غيرهم في أي زمان ومكان, فهي مادة فقهية لا قداسة لها أبدا, وغير ملزمة لأحد, وهي محاولة زمكانية مرتبطة بالأدوات المعرفية السائدة حينئذ لفهم النص القرآني صَلُح بها حالهم وارتضوها لمجتمعهم. أما نحن فقد قال الربّ جل شأنه معلماً لنا (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون). فمادة الحديث وأقوال الأئمة والفقهاء وغيرهم على مختلف الأطياف مادة فرّقت المسلمين وألقت العداوة والبغضاء بينهم, ووقعوا في ما وقعَ فيه أهل الكتاب من الغلو والتطرف وصار لسان حالهم هو (ولن ترضى عنك الشيعة ولا السنة حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى)! أما النص القرآني فهو حبل الله المتين يوحّد المسلمين على كلمةٍ سواء، فالقرآن يجمعنا، والحديث يفرّقنا، القرآن ينشر المحبة والسلام والعدل والتعايش، والحديث ينشر البغض والحرب والظلم ورفض الآخر بل ذبحه باسم الدين، والدين براء منه.
11س- ما هي النتائج الحضارية المعاصرة لنقد الموروث الروائي للمذاهب الإسلامية؟ وهل يمكن التأسيس عليها في إحداث تقارب فكري ومذهبي؟
1س - على الرغم من ظهور معالم أولية للنقد الروائي في أوساط المحدثين الأوائل، إلا أن هناك دعوات متكررة لإعادة توظيف المكتسبات النقدية الحديثة لمقاربة السّيرة النبوية خاصة. كيف تنظرون إلى طبيعة هذه الدعوات، من حيث الخلفيات والإمكانات
العلمية المتاحة ؟
ج - السيرة النبوية ليست رواية ملحمية أو أسطورية يتم روايتها عبر الأجيال، وكلّ جيل يريد أن يعرضها بقالب أدبي يرفع من شأن صياغتها التصويرية, فهي ليست قصة مثل ألف ليلة وليلة أو كليلة ودمنة, إنها قصة ولادة مجتمع وبنائه وترسيخ أساس النهضة والحضارة به! فسيرة النبي العظيم ليست سيرة فرد واحد قَدَّمَ أموراً لمجتمعه على صعيد الاكتشافات أو الاختراعات أو بعض النظريات أو بعض الانتصارات العسكرية. ومعظم منْ تناول سيرة النبي العظيم كان يكتب ما يُسمى السّيرة الذاتية للنبي، من ولادةٍ وطفولةٍ إلى مرحلة الرجولة, وزواجه وبدء الوحي وتأريخ بعض الأحداث, وذكر الغزوات التي قام بها... إلى الوفاة. وقسم آخر توجّه إلى ما يُسمى "فقه السيرة"، فتناولَ السّيرة الذاتية وأخذ يستنبط منها حسب المستوى المعرفي له بعض العِبر والعظات! فسيرة النبي العظيم هي سيرة ميلادِ مجتمع جديد نهضوي لا ينفكّان عن بعضهما ولا يمكن أن يُدرَس أحدهما دون الآخر.
سيرة "ميلاد مجتمع"
2س - ولكن كيف توضّح الدمج بين سيرة النبي وميلاد المجتمع الجديد؟
ج- لقد تمّ ذلك الدمج في واقع الحال, وكانت سيرته (ص) منطلقة من أسس ومرتكزات القرآن العظيم مع استصحابه في كلّ خطوة في صراعه الثقافي مع الثقافة الجاهلية, فكان القرآن حاضراً بصورةٍ دائمة قائداً ومعلماً وموجّهاً يقود المعركة الثقافية على أوجها دون تنازلات أو محاباة: (قل يا أيها الكافرون لكم دينكم ولي دين)، فدراسة سيرة النبي العظيم هي دراسة سيرة ميلاد مجتمع جديد, وهذا يقتضي استحضار النصّ القرآني كونه القائد والموجّه والمعلم في عملية التغيير والصّراع الثقافي، وهذا يدفعنا إلى استخدام أهم العلوم الإنسانية التي وصَلَ إليها الإنسانُ لدراسة النص القرآني وإسقاطه على الواقع للوصول إلى مجتمع نهضوي, ومن هذه العلوم: علم الاجتماع وعلم السياسة وعلم النفس وعلم القانون وعلم اللسانيات والفلسفة وغير ذلك، وذلك من أجل التفاعل مع النصّ القرآني الذي احتوى السّيرة الحقيقية للنبي العظيم. فلا حاجة لأن يقوم أحدٌ بكتابة سيرة لهذا النبي (ص) بعد أن كتبها الله عز وجل، وإنما نحن بحاجةٍ إلى منْ يستخلص هذه السيرة النبوية من القرآن تحت اسم: سيرة ميلاد مجتمع نهضوي إنساني.
مصطلح السنة النبوية مستحدث
3س- نشرَ الباحثُ الشيخ حيدر حبّ الله مؤخرا دراسة أكاديمية حول "نظرية السّنة في الفكر الإمامي الشيعي"، استقصى من خلالها تطوّرات الموقف الإمامي النخبوي من السّنة، والظروف الموضوعية التي أثرت في تصنيف المواقف المختلفة. وفي حيّز أخير من الدراسة؛ تطرّق حبّ الله بشكل سريع إلى أبعاد الدّراسات الخاصة بالسنة النبوية في وسط أهل السنة والجماعة، وقد أشار إليكم باعتباركم منتجين مؤثرين في هذا المجال. ما هي الأطر المعرفية التي تعتقد بضرورتها في صدد تكوين نظرية سليمة للسنة النبوية أو السنة المعصومة؟ وهل يمكن التوفيق بين ثابت الرجوع المعياري للسنة وبين متطلبات الاجتهاد المتنوّر الذي يأخذ بالاعتبار متغيرات الواقع والأسئلة المستجدة؟
ج- إنّ مصطلح السنة النبوية لا وجود له في القرآن بهذه الصورة الارتباطية مع النبي، وإنما وُجِدَ مضافاً إلى الله عز وجل قال تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)، فلم يأت أيّ نص يذكر الأمر بإتباع سنة النبي أبداً، مما يدلّ على أن هذا المفهوم مستحدث وليس مفهوماً قرآنياً! فعلى ماذا يدل مفهوم السنة النبوية عند منْ وضعه؟ قال الفقهاء: السنة هي المندوب مقابل الواجب. وقال الأصوليون: السنة هي ما يصلح لأن يكون دليلاً شرعياً لاستنباط الحكم منه. وقال أهل الحديث: السنة هي كلّ ما وردَ عن النبي من أقوال وأعمال وإقرار, وأخباره المتعلقة بحياته وشخصه وغزواته. وقال الشيعة الإمامية : السنة هي ما ورد عن النبي والإمام المعصوم من أقوال وأعمال وإقرار. وعندما وضع الأصوليون المصادرَ التشريعية ذكروا السنة من بين المصادر وجعلوها في المرتبة الثانية، فقالوا: مصادر التشريع الأصلية أربعة: القرآن، السنة، الإجماع، القياس. وعند التعامل مع مفهوم السنة نجد أن الحديث النبوي أو قول الإمام المعصوم يحلّ محلّ السّنة وكأن السنة هي الحديث, والحديث هو السنة! مع العلم أنه لا يوجد في القرآن أبداً أمرٌ بإتباع حديث النبي, والموجود هو حديث الله عز وجلّ، قال تعالى: (ومن أصدق من الله حديثا).
4 س- ولكن ماذا تقولون في النصوص التي تدلّ في مضمونها على الأمر بإتباع سنة النبي أو حديثه نحو قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني)؟
ج- كلا! هذا النصّ لا يدلّ على سنة النبي ولا حديثه, وإنما يدلّ على الأمر بإتباع الرسول , وهذا الأمر بالإتباع موجه إلى الرسالة وليس إلى شخص الرسول!! انظرْ قوله تعالى (قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم)، وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين). لذا ينبغي فهم دلالات النصوص القرآنية بصورةِ منظومةٍ واحدةٍ منسجمةٍ مع بعضها، وقد تعرّضتُ لشرح النصوص التي يستدلّ بها منْ يقول بوحي السنة النبوية أو الحديث وبيّنتُ خطأ ذلك الاستدلال في كتابَي (تحرير العقل من النقل) و( القرآن بين اللغة والواقع). لذا ينبغي التفريق بين مفهوم السنة ومفهوم الحديث وعدم الدمج بينهما.
فالسنة: هي الطريقة العملية الثابتة المستمرة على ما هي عليه. مثل سنة الله عز وجل في الخلق.
أما الحديث فهو: قول جديد. مثل النصّ القرآني؛ حديث الله. فمنْ يعتقد ويؤمن بأن السنة النبوية وحي من الله عز وجل نجد أنه أثناء التطبيق ينتقل إلى مفهوم الحديث النبوي! ويتصدّر كافة أبحاثه بصورةٍ سطحية وهزلية, فالسنة غير الحديث, ولكلٍّ مفهومه الخاص به.
أين السنة النبوية؟
5س- السؤال الذي يفرض ذاته هو أين السنة النبوية؟ وبمعنى آخر أين طريقة النبي في تعامله مع القرآن وإسقاطه على الواقع؟
ج- قطعاً ليست السنة هي الأحاديث النبوية. نجد سنة النبي موجودة في فحوى النصّ القرآني, فقد أخذ النبي سنته من خلال تفاعله مع القرآن ذاته وإسقاطه على الواقع, فسنة النبي انبثقت من القرآن لتعود إليه دراسةً وفقهاً وتطبيقاً, فهي منهج عقلاني علمي صاغت المنطق عند النبي حتى صار خلقه القرآن تفكيراً وتطبيقاً. فسنة النبي منبثقة من الحكمة الموجودة في النصّ القرآني, ونحن قطعاً ملزمون بإتباع الحكمة في تعاملنا مع القرآن وهذه الحكمة لا يمكن أن نحصل عليها من خلال سيرة النبي الذاتية لانتفاء حفظها في الواقع, غير أن النبي لم يذكر تلك القواعد والمنطلقات القرآنية أثناء علاجه للأحداث , ناهيك عن عدم استنفاذه للحكمة والمقاصد القرآنية. فلا مناصَ من العودة إلى الحكمة الموجودة في النصّ القرآني ذاته وتفعيلها حسب الأدوات المعرفية المعاصرة .
مقامات النبي الثلاثة
6 س- هذا الأمر يفتح موضوع الأوضاع أو المقامات المختلفة للنبي. فكيف تنظر إلى هذا الموضوع؟
ج - النبي العظيم له ثلاثة مقامات ينبغي التمييز بينها: 1- مقام بشري: ويصْدُق عليه ما يصْدُق على البشر من مرض وموت وتناول الطعام والشراب والنكاح والنسيان والخطأ، (قل إنما أنا بشر مثلكم). 2- مقام النبوة: وهو مقام اصطفاء وعلم، ودوره قيادة الناس ودعوتهم إلى الله عزّ وجل. وهذا المقام لا يلغي المقامَ البشري وإنما يُضاف له، لذلك فالعصمة في هذا المقام النبوي عصمة إرادية اكتسابية تصدر من الإيمان بالله عز وجل والعلم به، وهي عصمة متاحة لكلّ الناس بصورةٍ نسبية تتناسب مع المستوى الإيماني والعلمي, والنبي في هذا المقام يكون تابعاً لرسول سابق يدعو إلى رسالته ويجتهد في تفاعله معها إلا إذا نزل عليه رسالة جديدة , ويجوز تعرّضه للقتل كما حصل مع أنبياء بني إسرائيل. 3- مقام الرسول: وهو مقام تكليفٍ بمهمةِ تلاوة الرسالة وإبلاغها كما هي تماماً لايحق له الاجتهاد فيها من حيث المبنى والتلاوة (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) و الرسول يعصمه الله عز وجل عن القتل لإتمام مهمته بالرسالة، ويعصمه عن الخطأ والنسيان لمادة الرسالة. فالعصمة من الله عزّ وجل موجهة إلى مادة الرسالة وليس إلى شخص الرسول. ويتم حفظه من كلّ مرض نفسي أو جسمي ينقض أو يعيق توصيل الرسالة، مثل السّحر أو الهذيان والهلوسة أو البرص والجذام, وأيضاً هذا الحفظ موجّه لمصلحة الرسالة وليس إلى شخص الرسول! (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). فلا يوجد كائن معصوم بذاته أبداً, لا نبي ولا رسول ولا إمام ولا عالم, الجميع بشر، ويعصمون أنفسهم إرادياً من خلال إيمانهم بالله العظيم
(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ).
نقاش مفهوم السنة النبوية
7س- وعلى أي نحو ينعكس كلّ ذلك على موضوع السنة النبوية بوصفها مرجعية دينية أساسية؟
ج - للإجابة على ذلك وبناءً على ما ذكرت؛ نضعُ النقاط على الحروف: سنة النبي: هي المنهج العقلاني العلمي الذي استقاه من الحكمة الموجودة في النص القرآني. أما حديث النبي: فهو تفاعل النبي المرتبط بالزمكان مع القرآن مستخدماً المنهج (الحكمة) للنهضة بمجتمعه وقومه. في المقابل؛ سنة الرسول: هي الطريقة الثابتة المرتبطة بالشعائر التعبّدية , و حصراً في عدد ركعات الصلاة التي تزيد عن ركعتين لأن أصل الصلاة موجود قبل نزول القرآن منذ أول رسول أرسله الله إلى الناس وتواتر ذلك عملياً , فالصلاة سنة الرسل والأنبياء ,وقد ثبت ذلك في النص القرآني. وقد بينتُ ذلك في كتابي (القرآن من الهجر إلى التفعيل). أما حديث الرسول: فما ينبغي أن يكون للرسول حديثٌ خاصٌ به, وإنما يقوم بتلاوة حديث الله عز وجل فقط ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين). فنبوة محمد (ص) لقومه فقط،, ورسالته للناس أجمعين (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، فمقام النبوة أمر لازم لشخص النبي ينتهي دوره بوفاته ليأتي من بعده دور العلماء الراشدين , أما الرسالة فهي مستمرة ومنفصلة عن شخص الرسول تماماً، ومطلوب من الناس أن يؤمنوا بها ويتبعوها. وبعد هذا العرض المختصر لا أجد ما يسمى بنظرية السنة النبوية أو سنة المعصوم لدراستهما وجعل لهما قواعد ونظاماً ليتم التعامل معهما، فهما مفهومان مفرغان من محتواهما, وكل فئةٍ تقوم بتعبئتهما بما يخدم مصلحتها. لذا الاجتهاد والابتكار قائمان في واقع الحال لكلّ عالم رباني وباحث في أمور الدين لا يحكمه إلا رسالة الله عز وجل وسنته وحديثه, وكلّ ذلك موجود بالنص القرآني العظيم القائم على الثابت, ومنح الإنسان بصفته الخليفة حرية التحرّك بالمتغيّرات وفق المحور الثابت بحركة حنيفية صاعدة متطورة.
علم الحديث.. واغتيال العقل
8 س- تتعدّد المنهجيات المختصة في نقد الحديث، ويمكن النظر إلى جانب معين منها انطلاقاً من المدخل التكويني للحديث، فثمة منهج ينطلق في مشروع النقد الحديثي على أساس علم الرجال واستهداف سلسلة الرواة، فيما هنالك مشروع نقدي يعتمد النص أو المتن الحديثي نفسه في عملية النقد. هل ترى في هذين المنهجين وسيلة صحيحة لمقاربة الحديث مقاربة نقدية منتجة؟
ج - عندما تمّ تغييب النص القرآني من التفاعل معه في نهضة المجتمع كان من الطبيعي جداً أن يحلّ محله مصدرٌ آخر ليتمّ استخدامه في عملية التشريع والتبرير لسياسات الأنظمة الحاكمة والفئات المعارضة لهم حينئذ. لذلك نجد لكلّ فئةٍ مرجعية من مادة الحديث غير مقبولة للجهة الأخرى، ونجد معظم الدراسات الفقهية قد اعتمدت على مادة الحديث واستبعدت النصّ القرآني من الدراسة، إلا للبركة والتعظيم! وها هي كتب الفقه على مختلف أطيافها شاهدة على ما أقول. ولأن الأمر قد جرى تسييسه؛ فقد ذهبت كلّ طائفة لإضفاء على مادة حديثها صفة القداسة, ولم تكن تلك الصفة إلا بنسب الحديث للنبي (ص)، وهذا غير ممكن لمنْ يتكلم بالحديث مباشرة فكان لا بد من عملية السند! فتمّت ولادة الإسناد باعتباره ضرورة سياسية لشرعنة الأمور، وإلزام المخالف لها وإضفاء صفة القداسة على متن الحديث, وليس ذلك إلا بعملية: "قال النبي العظيم (ص)".. فيتمّ اغتيال عقل السّامع ويتمّ إمرار الحديث, ومع توسّع تلك العملية الاغتيالية لعقل الإنسان المسلم, وتعقّد الأمور وُلِدَ مصطلح (علم الحديث)، وصار علماً له قواعده ونظامه,( رغم أن دلالة كلمة العلم لاتنطبق عليه والأولى أن يسمى فن مصطلح الحديث ) فزاد الأمر شراً وتخلفاً، وظهر تيارٌ يهتم فقط في دراسة الرواة (السند) ولا يلتفت إلى موضوع الحديث، وظهر تيارٌ آخر أضاف للاهتمام بالسند الاهتمام بمتن الحديث ولكن بصورةٍ تخدم مصالح كلّ فئة. والنتيجة هي بقاء مادة الحديث محوراً للدين الإسلامي، لها الصّدارة والأولوية في واقع الحال وقاضية ومهيمنة على القرآن والعقول!!.
9س- أيعني كلامك أنك لا تمنح الحديث النبوي مرجعية قدسية؟
ج - مادة الحديث النبوي مادة تاريخية لا قداسة لها أبداً، ومنتفٍ عنها صفة الوحي الإلهي التشريعي، وذلك لأنها نتيجة تفاعل النبي العظيم مع النصّ القرآني حسب معطيات واقعه، وحسب الأدوات المعرفية الزمكانية المتوفرة حينئذ، وهي لذلك غير ملزمة للمجتمعات اللاحقة أبداً، ومنْ يقول بغير ذلك يكون إنساناً يُغمض عيناه عن الحقيقة! فالحديث النبوي المنسوب قد أصابه التحريف زيادة ونقصاناً, فمنْ يقول بأنه وحي فهو يعتقد بأن مادة الوحي قابلة للتحريف, وبالتالي لا مانع عنده من ضياع بعض من الوحي! وربما الذي ضاع أكثر من الذي بقي! فكيف نُلزم بعضنا بوحي محرف!؟ بوحي قد ضاع جزء منه!؟ كيف يكون الحديث عند فئة وحياً، وعند الفئة الأخرى التي ترفضه لعلةٍ بسنده أو متنه حسب أصولهم؛ كذباً وزوراً وافتراءً!؟ كيف يكون الحديث مصدراً تشريعياً وهو مُختلف فيه, وليس محلّ تسليم من الجميع به!؟
علم الحديث.. خدعة
10س- ولماذا تحمل هذا الموقف الشديد في معارضة (علم الحديث)؟
ج - إنّ علم مصطلح الحديث كذبة كبيرة وخدعة قبيحة فهو ليس علماً أصلاً سواء تعلّق ذلك بالسّند أو المتن, فالنتيجة واحدة: الضياع للمسلمين, وعندما جعل المسلمون مادة الحديث النبوي وحياً ومصدراً تشريعياً أُصيبوا بالتخلف والانحطاط وابتعدوا عن المنهج الرباني المتمثل بالقرآن (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً). فالنص القرآني قد احتوى الشرع الإسلامي كاملاً كما أخبر الرب تبارك وتعالى بذلك (اليوم أكملت لكم دينكم)، وكما أمر رسوله أن يقول (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم). فالقرآن هو المصدر الوحيد للتشريع الإلهي, وما سواه من أحاديث نُسبت للنبي أو للأئمة أو للفقهاء أو غيرهم في أي زمان ومكان, فهي مادة فقهية لا قداسة لها أبدا, وغير ملزمة لأحد, وهي محاولة زمكانية مرتبطة بالأدوات المعرفية السائدة حينئذ لفهم النص القرآني صَلُح بها حالهم وارتضوها لمجتمعهم. أما نحن فقد قال الربّ جل شأنه معلماً لنا (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون). فمادة الحديث وأقوال الأئمة والفقهاء وغيرهم على مختلف الأطياف مادة فرّقت المسلمين وألقت العداوة والبغضاء بينهم, ووقعوا في ما وقعَ فيه أهل الكتاب من الغلو والتطرف وصار لسان حالهم هو (ولن ترضى عنك الشيعة ولا السنة حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى)! أما النص القرآني فهو حبل الله المتين يوحّد المسلمين على كلمةٍ سواء، فالقرآن يجمعنا، والحديث يفرّقنا، القرآن ينشر المحبة والسلام والعدل والتعايش، والحديث ينشر البغض والحرب والظلم ورفض الآخر بل ذبحه باسم الدين، والدين براء منه.
11س- ما هي النتائج الحضارية المعاصرة لنقد الموروث الروائي للمذاهب الإسلامية؟ وهل يمكن التأسيس عليها في إحداث تقارب فكري ومذهبي؟
ج- ليس مطلوب منا الآن للقيام بالنهضة أن نقوم بنقد التراث كله على مختلف أطيافه! فالوقت لا يسمح بذلك كما أنّ الأمر على درجةٍ من الصعوبة، والوضع الذي نعيشه معروف للقاصي قبل الداني. الدماءُ تسيل، والأوطان تضيع، والخيرات والثروات تسرق. إنّ هذا التراث الفقهي الطائفي ليس علماً حتى ينبغي أن أحصّله ومن ثم أتابع السير على ضوئه! إنه فقه ماضوي سلفي آبائي! إنه مادة تاريخية ليس أكثر، يدرّسها المؤرخون وعلماء الاجتماع بصورة موضوعية دون تقمّص لأحداث التاريخ, فنحن لم نكن مع النظام الحاكم حينئذ , كما أننا لم نكن مع المعارضين لهم! فنحن لا نمثل أيّ أحد منهما ولسنا امتداداً لهما! وما ينبغي أن تقوم فئة بتقمّص دور تاريخي وتلزم الطرف الآخر بأن يتقمّص الدور الخصم له, وتُدق الطبول ويُنفخ في البوق, ويُعلن النفير وتبدأ الحرب! ويعود المجتمع المعاصر ليعيش في حالة تقمّصية جاهلية يُحيي حرب داحس والغبراء! فعملية التواصل والتعاون بين جميع الأطياف الإسلامية الحالية هي الرجوع إلى القرآن وتفعيله في الواقع، واستبعاد مادة الحديث من أي كائن صدرت. وأي دعوة لغير القرآن فهي دعوة طائفية مآلها الفشل, وسوف ينتج عنها الكره والبغضاء والقتال في أي لحظة يقوم باستغلالها المستبدون والمستعبدون للشعوب على صعيد الداخل أو الخارج, لذلك يقوم هؤلاء بدعم الدعوة إلى الحديث والفقه ونقد التراث والتقارب المذهبي وإقامة الندوات والحوارات الساخنة التي تقطر كرهاً وحقداً!! لترسيخ التخلف والذل وعدم قيام الأمة برفع رأسها أبداً, واستمرارها بعلك المعلوك! وتقمص التاريخ , فالحذر, الحذر من هذه الخدع والحيل!
1st أكتوبر 2018, 4:52 pm من طرف Reda
» بيان الإعجاز العلمى فى تحديد التبيان الفعلى لموعد ( ليلة القدر ) على مدار كافة الأعوام والآيام
1st يوليو 2016, 2:11 pm من طرف usama
» كتاب اسرار الفراعنة
20th يوليو 2015, 7:11 am من طرف ayman farag
» أسرار الفراعنة القدماء يبحث حقيقة استخراج كنوز الأرض ــ الكتاب الذى أجمعت عليه وكالات الآنباء العالمية بأنه المرجع الآول لعلماء الآثار والمصريات والتاريخ والحفريات ــ الذى تخطى تحميله 2300 ضغطة تحميل
12th يوليو 2015, 4:15 pm من طرف farag latef
» ألف مبروك الآصدار الجديد ( الشيطان يعظ ) ونأمل المزيد والمزيد
26th أبريل 2015, 5:20 pm من طرف samer abd hussain
» ألف مبروك اصداركم الجديد ( السفاحون فى الآرض ) الذى يضعكم على منصة التتويج مع الدعاء بالتوفيق دوما
26th أبريل 2015, 5:17 pm من طرف samer abd hussain
» الباحث الكبير رجاء هام
12th أبريل 2015, 11:14 am من طرف الخزامي
» بيان الإعجاز العلمى فى تبيان فتح مغاليق ( التوراة السامرية ـ التوراة العبرانية )
10th أبريل 2015, 6:11 am من طرف الخزامي
» الرجاء .. ممكن كتاب أسرار الفراعنة المصريين القدماء للباحث العلمي الدكتور سيد جمعة
24th فبراير 2015, 4:37 am من طرف snowhitco